لطالما كنتُ أتوقّف لدقائق قُبيل نشر أي صورة على صفحتي الخاصة أو إرسال صورة للنشر في الوسائل التي عملتُ بها، مُتسائلاً “هل هذه الصورة مناسبة للنشر أم لا؟” ، وتزدادُ الحالة حساسيّة في بلد يشهدُ حرباً، وصراعاً طاحناً، ونزاعاً سياسياً متواصلاً بين أطراف تحاولُ دائماً تسجيل النقاط على بعضها، مستغلّة هفوات الصحفيين، أو أخطاءهم المقصودة أحياناً، وغير المقصودة أحياناً أخرى.
ولا سيما تلك الأخطاء التي يقع بها الصحفيون عن جهل أو غفلة، المتعلقة بنشر الصور المرتبطة بأشخاص مثلاً أو مواقع أو أماكن.
لذا، حاولتُ وضع معايير (أتمنى مشاركتي بمعايير أخرى)، لتكون ربما أدوات مفيدة لنا في الحاضر والمستقبل، ولا سيّما أن النزاع لا يزال مستمراً (ولا يبدو أنه سيتوقّف قريباً).
(ملاحظة: هذه المعايير جاءت بعد جلستي عصف ذهني مع طلاب كلية الإعلام في جامعة دمشق – قسم الإذاعة والتلفزيون- بعد الحديث عن قوة الصورة وما تضاهيه من كلمات، علماً أن الكثير من المعايير التالية هي نسبية، يختلفُ الحكمُ فيها باختلاف الزمان والمكان والواقعة، وفي النهاية يبقى الحكم هو الصحفي ذاته).
الرضا:
هذا المعيار مرتبط بصور الأشخاص، وأعتقد أنه من المعايير التي أحدثت لغطاً لأنه اختلط بينه وبين الموافقة.
أحياناً، قد نحصل على موافقة الشخص لنشر صورته، لكن هذه الموافقة تكون غير معبّرة عن قبول ورضا، لأنها قد تكون جاءت نتيجة الخجل من الرفض، أو تحت ضغط السلطة الموجودة في المكان الذي نُجري فيه التغطية.
أحياناً، تكون الموافقة غير مستوفاة، أو مفهومة ضمنياً، إلا أنّ ذلك لا يكفي، بل يجب أن تكون الموافقة صريحة وواضحة ومعبّرة عن حالة رضا وقبول تامين، كي يكون نشر الصور المتعلقة بالأشخاص “أخلاقياً”.
(من الجدير ذكره أن الصور المرتبطة بالأطفال عادة، تستوجب حصول رضا ذويهم).
الخصوصية:
يستوجبُ نشر الصور عدم انتهاك خصوصيّة أي شخص، وعدم حشر عدسة الكاميرا في مكان دون أخذ الإذن الصريح. ولا سيّما مع العدسات بعيدة المدى، التي تستطيع اقتناص الأشخاص من بعيد، دون علمهم.
في الخصوصية أيضاً، ليس مستحباً نشر ملامح مكان يدلّ على مجموعة دينية أو عرقية في خبر يُشير إلى مستوى من مستويات النزاع.
ولا تشترطُ الخصوصية في تصوير الأماكن العامة التي يتجمّع فيها أشخاص، دون أن تتضح ملامحهم الشخصية، أو نشر صورة مكان عام لا يحمل دلالة لمجموعة عرقية أو دينية.
الكرامة الإنسانية:
أزعمُ أن هذا المعيار هو الأساس في نشر الصور والأخبار على حدّ سواء، ولطالما كنتُ أسأل “هل هذه الصورة تنتهكُ الكرامة الإنسانية؟” والإجابة عن هذا السؤال هي التي تُرشدني لقرار نشرها من عدمه.
صورة جثة ملطّخة بالدماء؟ صورة طفل داخل حاوية قمامة بملامحه الواضحة؟ بكل تأكيد تنتهكُ الكرامة الإنسانية، لكن صورة منزل مدمّر، هي صورة قاسية حتماً، لكنها لا تنتهك الكرامة الإنسانية بالحالة العامة.
هذا المعيار نسبي للغاية، ويحتاج لضمير صحافي يقظ، يستطيع أن ينتقي ويُحاكم ويحكم.
المصلحة العامة:
أقع أحياناً في فخ الحيرة في نشر صورة من عدمه، قد تكون الصورة لا تستوجب رضا أحد، ولا تنتهك خصوصية، ولا كرامة إنسانية، لكن نشرها يضرّ بالمصلحة العامة، مثلاً نشر صورة أمواج تسونامي عالية مثيرة للفزع.
قد تكون هذه الأمواج غير خطيرة ولن تسبب كارثة، لكن نشر الصورة قد يثير ذعراً، يؤدي إلى فوضى في الأسواق أو في المنطقة المُشار إليها في الصورة أو الخبر المرفق.
بالمقابل، قد تكون هناك فائدة كبيرة في نشر صورة ما، رغم أنها قد تكون موجعة ومؤلمة، مثل صورة الطفل آلان الكردي التي تم نشرها على أحد الشواطئ التركية، وقيل إنها ساهمت في تسريع استصدار قوانين لجوء وفتح الحدود الألمانية (البي بي سي على سبيل المثال، نشرت الصورة لكنها موّهت عيون الطفل، ونشرت تحذيراً مسبقاً قبل نشرها بأنها صورة قد يعتبرها البعض قاسية).
هنا أيضاً، أتساءل، ماذا يمكن أن يضيف نشر هذه الصورة؟ ما هو هدفها، ما هي رسالتها؟ ماذا أودّ أن أقول؟
معيار الصدق:
وهو معيار بديهي، لكن في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، صار لزاماً أن نذكر بمعايير الصدق المرافقة للصورة، مثل تاريخ نشرها ومكانها، والنص المرافق لها.
ذكر المصدر:
قد يكشف مصدر الصورة بعض المعلومات التي لا تقولها الصورة بشكل مباشر، على سبيل المثال، حين يكون مصدر الصورة وكالة أنباء حكومية، فهي إشارة كافية إلى أن الصورة تظهر الجانب المتناسب مع السياسة التحريرية الحكومية، وعندما يكون مصدر الصورة (س) من الصحفيين المعروف بموقفه الواضح من قضية ما، فغالباً ما ستكون زاوية صورته تخدم موقفه.
ناهيك عن أن مصدر الصورة هو حق لملتقطها، سواء كان مؤسسة أو فرداً.
السلطة:
قد تكون قوة السلطة القانونية، أو الدينية، أو المجتمعية، إحدى المعايير المحددة لنشر صورة، فقد يودي بي نشر صورة ما في الصباح، إلى خلف القضبان في المساء، أو قد تثير صورة ما جماعة دينية أو مجتمعية، ما يعرّض صاحبها للخطر المباشر أو غير المباشر.
وقد يكون لسلطة المؤسسة التي يعمل بها الصحافي سطوة تحدّ وتعرقل من وتير نشر صورة ما.
أعتقد جازماً أن هناك معايير أخرى قد فاتتني، حبذا لو تشاركوني بمعاييركم لنشر الصور؟ ما هي الأسئلة التي تطرحونها على أنفسكم؟